الإعلام السمعيّ البصريّ في تونس منعرج خطير… يهدّد استقلالية القطاع وتعدديّته

Article By :

تعتبر تجربة إحداث هيئة تعديلية تشرف على تنظيم قطاع الاتصال السمعيّ والبصريّ وضمان تنوّعه وجودته قطعا مع إرث الدكتاتورية الذي كرّس ثقافة الصوت الواحد والرأي الأوحد عبر محاصرة حريّة التعبير وحريّة الاتصال السمعيّ البصريّ واجبار وسائل الاعلام الموجودة وقتها على قلّتها، على اتّباع نسق واحد ومحاكاة خط النظام بل والذهاب بعيدا في الدعاية له مما أدّى إلى قمع كل نفس معارض وتكريس ثقافة الموالاة له إما طواعية أو إجبارا. وجاء تركيز الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعيّ والبصريّ بمقتضى المرسوم عدد 611 لسنة 1102 المؤرخ في 02 نوفمبر 1102 والمتعلق بحريّة الاتصال السمعيّ والبصريّ وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعيّ والبصريّ قطعا مع تجربة وزارة الإعلام والاتصال التي حاصرت أي إمكانية لتطوّر المشهد الإعلامي السمعيّ البصريّ وجنّدت مريديها للدعاية للنظام السابق داخل تونس وخارجها ومنعت ظهور الفاعلين السياسيين المختلفين سياسيا معه على القنوات التلفزية والإذاعية. هذا التطور في الإطار التشريعي لقطاع الاتصال السمعيّالبصريّ ومواكبة المعايير الدولية المنظمة له، جعل تونس النقطة المضيئة الوحيدة في العالم العربي، حيث ارتبط هذا التطوّر بالتغيير السياسي الحاصل من خلال تزامنية التطوّر الإعلامي والسياسي في إطار نظام سياسي تتوفر فيه شروط الحد الأدنى من التعددية في اتجاه بناء نظام ديمقراطي تحترم فيه حقوق الانسان وتضمن فيه حريّة التعبير. هذه التجربة اليوم تواجه عدّة تحدّيات، من ناحية عدم ترسّخ القناعة لدى بعض الأحزاب السّياسية بضرورة اعتماد خيار تعديل الإعلام وتشجيع حالة الفوضى ومخالفة القانون، ومن ناحية أخرى، فهي تواجه عدم استيعاب مؤسسات الدولة بصفة متفاوتة للدور الذي تلعبه الهيئات الدستورية بصفة عامة في النظام السّياسي كما أقره الدستور، فهناك قناعة مترسخة لدى البعض تعتبر هذه الهيئات منافسا على السلطة في حين أنها دعامة من دعائم الديمقراطية وهناك موقف آخر يعتبرها “هيئات حقوقيّة مدنيّة” لا يعتدّ برأيها وعلى هذا الأساس يتم تهميشها ومنعها عبر وسائل متعددة من القيام بمهامها بل وربما الذهاب بعيدا في اتجاه محاصرتها والحد من صلاحياتها عبر محاولة إرباك عملها وتعطيل سن النصوص القانونية اللازمة لتمكينها من القيام بالأدوار الموكولة لها.