النائب في دستور 25 جويلية 2022

Article By :

يعتبر البرلمان واحدا من أهم المؤسسات الدستورية في الدولة. فوجود سلطة تشريعية منتخبة بطريقة ديمقراطية تضطلع بممارسة وظائفها التقليدية بصفة فعلية وتنتصب عند الضرورة كسلطة مضادة “لكبح جماح” السلطة التنفيذية من أهم ركائز الأنظمة الديمقراطية الحديثة. أما في تونس، فلم ينجح المشرع الدستوري التونسي إلى حد اليوم في التأسيس لنظام سياسي يقوم على التوازن بين السلط السياسية. حيث أن الدساتير المتعاقبة للدولة التونسية تكرس إما برلمانا ضعيفا يمارس سلطة صورية أو برلمانا متغولا على حساب بقية السلطات.
عادة ما يتم دراسة البرلمان أو السلطة التشريعية كهيئة جماعية متكونة من عدد من الأعضاء ولا يتم تناول النائب كمؤسسة دستورية على حده وذلك على عكس بقية الحكام كرئيس الدولة، رئيس الحكومة والوزراء. ولا يتم التعامل مع النائب كحاكم وكفاعل سياسي مستقل. وهذا ما دفعنا لدراسة مؤسسة النائب في دستور 52 جويلية 2202. النائب في تونس هو العضو بأحد المجالس النيابية أي العضو بمجلس نواب الشعب أو العضو بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم ويضطلع بوظيفة التمثيل السياسي للشعب صاحب السيادة. يشارك في ممارسة الوظيفة التشريعية وفي مهمة مراقبة الحكومة. قبل دستور 1681، كان يوجد هيكل وحيد للحكم مجسم في الباي. حيث وزع هذا الدستور الاختصاصات التي تمليها ممارسة السيادة في تونس على ثلاثة هياكل على غرار الهيكل التنفيذي، الهيكل القضائي والهيكل التشريعي المتمثل في المجلس الأكبر. ويتكون هذا المجلس من ستين عضوا الثلث منهم يكون من الوزراء ومن موظفين في خدمة الدولة والثلثان من أعيان أهل المملكة. ولا يتم انتدابهم على أساس الانتخاب بل يتم تعيين بعضهم من طرف السلطة التنفيذية كما يتم كذلك تعيين البعض الآخر من قبل زملائهم في المجلس. لم تدم هذه التجربة طويلا بسبب ايقاف العمل بدستور 1681 على اثر ثورة علي بن غذاهم. فواصل الباي ممارسة الاختصاصات التشريعية وذلك بالرغم من أن المقيم العام الفرنسي كان يقوم بالمصادقة على كل الأوامر الصادرة عن الباي بعد انتصاب الحماية سنة 1881. وتميزت فترة ما قبل الاستقلال بمطالبة الحركة الوطنية بإرساء برلمان تونسي.
وبعد اعلان الجمهورية تم انتخاب أول مجلس نيابي في 8 نوفمبر 9591 وكان يحمل تسمية “مجلس الأمّة” قبل تغييرها إلى مجلس النواب. ويمارس هذا المجلس السلطة التشريعية بصورة أصلية. وتم في 1 جوان 2002 انشاء غرفة ثانية تحمل اسم مجلس المستشارين يتركب من أعضاء يتم انتخاب جزء منهم باعتماد الاقتراع العام غير المباشر ويقع تعيين الجزء الآخر من قبل رئيس الجمهورية. ويتقاسم هذا المجلس جزءا من السلطة التشريعية مع مجلس النواب. لقد كان دور النائب في ظل دستور 9591 منكمشا في مقابل بروز وإشعاع دور رئيس الجمهورية. والأمر صحيح بالنسبة لباقي الفاعلين السياسيين في تلك الفترة من وزراء ووزير أول وكتاب دولة وحتى أعضاء المجلس الدستوري.
إثر ثورة 11 جانفي 1102 تم اتخاذ المرسوم عدد 41 المؤرخ في 32 مارس 1102 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية والذي اقتضت المادة الثانية منه حل مجلس النواب ومجلس المستشارين. ومع وضع دستور 72 جانفي 4102 تم اعتماد نظام الغرفة الواحدة والمتمثلة في مجلس نواب الشعب. ويتكون هذا المجلس من نواب منتخبين انتخابا عاما، حرا، مباشرا وسريا من أجل ممارسة السلطة التشريعية بالإضافة الى عدد آخر من الصلاحيات على غرار الرقابة على السلطة التنفيذية والرقابة على الهيئات الدستورية المستقلة. وبرز خلال هذه الفترة دور النائب نظرا لأهمية الصلاحيات التي يمارسها والامتيازات التي يتمتع بها. لكن ما ميز هذه الفترة هو تعزيز مكانة النائب في النظام السياسي التونسي مما نتج عنه تعطيل لعمل الحكومة من قبل النواب وكثرة المناوشات بين النواب داخل المجلس التي بلغت حد العنف في بعض الحالات. ومع تفاقم أزمة المجلس النيابي في تونس تم تفعيل الفصل 08 من دستور 4102 المتعلق بحالة الإستثناء ثم تم بتاريخ 03 مارس 2202 حل مجلس نواب الشعب وذلك بمقتضى أمر رئاسي عدد 903 لسنة 2202. وقد تزامن هذا القرار غير الدستوري مع موجة غضب واتهام للنواب باعتبارهم المسؤولين عن الأزمة السياسية والاقتصادية وأيضا عن فشل عملية الانتقال الديمقراطي في تونس الشيء الذي استغلته السلطة لتبرير الغاء دستور 72 جانفي 4102 ووضع دستور جديد للجمهورية التونسية تنبثق عنه مؤسسات دستورية جديدة أبرزها مجلس نواب الشعب وأيضا المجلس الوطني للجهات والأقاليم. لكن من يقرأ دستور 25 جويلية 2022 يلاحظ أن تنظيم السلط العمومية صلب هذا الدستور لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يضمن علاقة متوازنة بينها. فمن برلمان متغول صلب دستور 4102 إلى برلمان ضعيف صلب دستور 2022 وبالتالي دور هامشي للنائب صلب المنظومة السياسية الجديدة أمام تضخم مكانة الرئيس.
إن ما يجعل هذه المسألة جديرة بالدراسة ليس فقط حالة عدم الاستقرار الدستوري الذي تعيشه تونس، بل وأيضا غياب واحد من أبرز فروع القانون الدستوري أي القانون النيابي. حيث أن المؤلفات المختصة في القانون النيابي في تونس نادرة جدا بالرغم من أن الفقه الدستوري المقارن يعترف به كفرع مستقل من فروع القانون. كما أن تناول مسألة النائب كفرد وليس المجلس النيابي ككل من الناحية العلمية والأكاديمية هو أمر ضروري .فالنائب هو ممثل للشعب صاحب السيادة يتمتع بمشروعية انتخابية، يمارس السلطة التشريعية وينتصب كسلطة مضادة لمنع تغول بقية السلط. لكن النائب ومكانته صلب النظام السياسي هي أحد أبرز الإشكاليات التي يثيرها دستور 2202.