جودة القرار القضائي

Article By :

"ويل لجيل يستحق فيه القضاة ان يحاكموا" حاخامات عبرانيون، المدراش


ليست قاعة المحكمة إلا مسرحا، وما القاضي والمحامون والأطراف والشهود و ممثلو النيابة العمومية إلا أصحاب أدوار ناطقة تحملهم على أداء مونولوغات قد تطول أو تقصر : كم قد تحملهم على الانخراط في محادثات ثنائية تبسط وتتعقد. أما الحجاب والكتبة والمستشارون وكتبة المحامين فما هم الا ادوار صامتة، تبلغ المعنى بالحركة والإشارة، وأما الديكور فكراسومصطبات ومنصات و اما الازياء فمنها المعتاد من اللباس ومنها قفاطين من الصوف الأكحل والتي قد تذيل بأقمشة سوداء أو حمراء ؟ أو غير ذلك حسب ما يتقمص مرتدوها من أدوار، غير أن ميزة هذا العمل المسرحي تكمن في نصه. وما نصه إلا القرار القضائي الصادر عن المحكمة. إذ إن هي كتب بعد أن تنزل ستارة الختام. ويأتي مشتملا على ذات الشخصيات والتي يتقمصها أفراد مختلفون في كل قضية. لا غرابة إذن في أن نجد اللورد دينينغ يصف صياغته لقراراته قائلا:

أحاول جعل أحكامي حية ….. أبدأ حكمي، مثل الجوقة في إحدى مسرحيات شكسبير، كما لو أنني أكتب فاتحة لأمهد للقصة. ومن ثم أنتقل من فصل إلى آخر .. وكل منها.

مشاهده مستوحاة من واقع الحياة. […] وأنتهي باستنتاج – كخاتمة – مثلما تفعل جوقة شكسبير. وفيه أجمع الخيوط معا وأعطي النتيجة.

إن شئنا بحثا في الماهية، فإن فقهاء القانون يعتبرون قرار قضائيا ما يصدر عن محكمة سليمة التعهد قانونا وفق قواعد المرافعات سواء كان ذلك في علاقة بخصومة أو بما قد يتفرع عنها من المسائل”. غير أن صياغة وتدوين القرارات على الشاكلة التي هي عليها اليوم أمر شبه مستحدث في الأنظمة القضائية. فلم يعرف عن العرب تدوين ما ينتهي إليه من يحكمونه في خصوماتهم وذلك لغلبة منطق الفتوة وانتزاع الحق بالساعد من جهة ولغياب كل نظام قضائي إلى حدود تولي عمر بن الخطاب السلطة من جهة أخرى. غير أنه من الجدير بالذكر أن الرسول محمد كان يراسل بعضا من ولاته الذين يعرضون عليه ما يستعصي عليهم من الأقضية مبينا أحكامه فيها. يمكن إذن القول بأن تلك المراسلات تمثل أولى أشكال القرارات القضائية المدونة.وقد اتخذ الخلفاء الراشدون الذين كانوا، إلى جانب انصرافهم لسياسة القوم، ينتصبون قضاة ليفصلوا ما يعرض إليهم من النزاع، كتبة. وقد كان مما أدخله عمر بن الخطاب على ولاية المظالم، تدوين ما يعرض عليه منها لحفظ أقوال الشاكي وشهادة الشهود وعرضها على المشتكى به بغير تحريف ليقبلها أو يردها أو يجرح في أصحابها. كما كان يرسل مراسيم تحوي منطوق أحكامه إلى ولاته لإشهارها بين الناس كلما رأى حاجة لذلك. أما في العصر.