الانتحار في التشريع الفلسطيني
Article By : براء ياسر عبد العزيز أبو عنزة
يعتبر الإنتحار مشكلةً بالغة الخطورة تعصف بالمجتمعات، والأبلغ خطورة وألمًا النتائج المترتبة عليه بحيث لا يحدها وقت ولا يبلغها وصف وخاصّة بقاء أثره على عائلة المُنتحِر ومحبيه وأصدقائه. ولم يعد من النادر أن نفيق على خبرٍ بالإنتحار، وأيًا كانت البواعث والأسباب، وألمنا عسير شديد. وإن لم تجمعنا بالمنتحر أية رابطة فتكفي حينئذ رابطة الإنسانية ٍ. ومعلوم أنّ شعور الإنسان باليأس وأن لا هدف عال المنال يعيش ويحيا لأجله وفقدان الأمل من أهم أسباب الإنتحار وبواعثه. فإمكانيّة الإقدام على محاولة الإنتحار تزيد إذا فقد الإنسان شغفه بالحياة واعترت روحه أمراض نفسية وخاصةً الإكتئاب، أو بسبب مشاكل أسريه أو خلافات عائلية، أو بشكل عام لأسباب تتعلق بفقد المكانة والحضور الإجتماعي، أو أسباب اقتصادية ضاغطة على أحلامه وطموحاته لم تُتح له مواصلة أهدافه، أو الشعور بإنسانيته حين تحضر لديه المزايا والحسنات ولم يلقَ تكريمًا ولا دعمًا. وبناءً على ما تقدم نتناول مفهوم الإنتحار، والفلسفة الفقهيَّة والقانونية للإنتحار التي لاحت لنا في الأيام الأخير أنها تزيد بوتيرة مُلفتة في قطاع غزة. أولأً: مفهوم الإنتحار: عرَّف فقهاء القانون أنه إنهاء الإنسان لحياته بنفسه. أما الشروع في الإنتحار فهو أن يأتي الشخص فعلاً يؤدي في العادة إلى إزهاق روحه وإنهاء حياته غير أن النتيجة لا تتحقق، أي أن وفاته لا تتم لسبب لا دخل لإرادة من أقدم على ارتكاب الفعل فيها، كمن يتناول كمية كبيرة من الأدوية والحبوب أو يشرب سماً ثم يتم إنقاذه من قبــل أفراد أسرته أو من الآخرين بأخذه إلى المستشفي وعلاجـه في آخر لحظة، أو أن يلقي بنفسه من سطــح شاهــق لعمارة أو جسر مرتفع، غير أنه لا يموت. والإنسان حينما يقبع في سجن ذاته، بحيث لا يرى في الحياة لا نورًا ولا أملاً، ولا يرى في التحديات والظروف مصنعًا لفجرٍ ميلاده قريب، فإن النتيجة الحتمية في بعض الأحيان هي التفكير بالخلاص من الحياة وهي فكرة تشاؤمية، فيحكم على نفسه بإنهاء حياته. ثانيًا: موقف الشريعة الإسلامية من الإنتحار: أكد فقهاء الشريعة الإسلامية على أن حفظ حياة الإنسان يأتي في مقدمة المصالح الضرورية التي جاءت لحفظها من جانبين؛ الأول حفظها من جانب الوجود عن طريق تأمين مستلزمات استمرارها من مأكل وملبس وغيرهما، والجانب الثاني من خلال حفظها من العدم عن طريق تشريع العقوبة، لذلك تكفلت بحماية حياة الإنسان، وخلال مراحل حياته جميعها، بتجريم الأفعال التي يترتب عليها سلب الإنسان حقه في الحياة ولو تم ذلك شفقة عليه ورحمة به لمرض أو عاهة. ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله؛ من قتْل الإنسان نفسَه، أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال، أو قتل الإنسان نفسه بمأكول أو مشروب؛ ولهذا جاء التحذير عن الانتحار بقول ربنا جلت قدرته، وتقدست أسماؤه ، حيث قال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ (النساء: 92، 03)، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾: ((البقرة 591)، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ (الفرقان: 86، 96). وكذلك جاء التحذير في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعنها، يطعنها في النار”. (رواه البخاري). ثالثًا: موقف التشريع الفلسطيني من الانتحار: موقف قانون العقوبات المطبق في قطاع غزة: إذا سلطنا الضوء على التشريع الفلسطيني نجد أنه لم يعالج الانتحار، كونه فعلًا خطيرًا يقوّض الحق في الحياة باعتباره حقًا أصيلاً من الحقوق اللصيقة بالإنسان، في حين أننا وجدنا أنَّ المعالجة مقتصرة على إيقاع الجزاء على من يحاول الانتحار، أو يساعد أو يغري أو يدفع أي شخص على الانتحار،حيث نص القانون العقوبات المطبق في قطاع غزة رقم 47 لسنة 6391م، في المادة (522) “1-كل من حاول الانتحار يعتبر أنه ارتكب جنحة 2- كل من: أ- حمل شخصا على الانتحار ب- أو أغرى شخصا على الانتحار فحمله بذلك على أن ينتحر، ج- أو ساعد آخر على الانتحار: يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالحبس المؤبد”.