المجالس المحلية والمجالس البلدية: البحث عن همزة وصل

Article By :

لئن شهدت الدولة التونسية تحولا سياسيا جديدا بعد مسار سياسي استمر لسبع سنوات من العمل بدستور 72 جانفي 4102، فإن مخرجات دستور 52 جويلية 2202 حملت معها تصوّرا جديدا لمفهوم “الديمقراطية المحلية” التي استقر معها الرأي على خلق جماعة محلية مستحدثة ومندمجة في المسار الجديد للدولة تعرف ب”المجالس المحلية”. وليست المجالس المحلية من حيث صلاحياتها ومهامها جديدة على السلط المحلية في الدولة، إذ يعود تأسيس المجالس المحلية الى القانون عـ78ـدد لسنة 4991 المؤرخ في 62 جويلية 4991 تحت مسمى “المجالس المحلية للتنمية”، غير أن الجديد في المجالس الحالية التي هي بصدد التكوين الى حد تاريخ كتابة هذه الأسطر يظهر في المرسوم عـ01ـدد لسنة 3202 المؤرخ في 8 مارس 3202 المتعلق بانتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، إذ أنها تحولت بمقتضى هذا المرسوم من كونها مجالس استشارية ومعينة من طرف المعتمدين الى مجالس منتخبة بالإقتراع العام والمباشر ومتمتعة بسلطة اتخاذ القرارات على الصعيد المحلي.

وتعد المجالس المحلية بحكم الدستور “هياكلا يمنحها القانون صفة الجماعات المحلية”، والملاحظ أن نص دستور 2202 في فصله ال331 أشار الى المجالس البلدية كمكوّن من مكوّنات الجماعات المحلية ما يعني أن المجالس البلدية تتمتع بالحصانة الدستورية مقارنة مع المجالس المحلية، ولكن منح الدستور امكانية إحداث أصناف أخرى من الجماعات المحلية ليس بدعة صنعها دستور 2202، فهذا الأخير جاء ليعيد نص كل من الفصل 71 من دستور غرة جوان 9591 والفصل 131 من دستور4102 في فقرته الثانية. وهنا يكون التأكيد على أن السلطة المركزية استعادت مكانتها كسلطة تتشبث بالتأثير على التنظيم الإداري، وذلك بالزيادة أو بالنقصان.

ولكن، لا يمكن أن نستنتج المكسب من المجالس المحلية المنتخبة بمعزل عن المجالس البلدية القائمة، والتي تحكم في نظامها القانوني مجلة الجماعات المحلية بالقانون عـ92ـدد لسنة 8102 المؤرخ في 9 ماي 8102، والتي تم حل مجالسها المنتصبة بالمرسوم عـ90ـدد لسنة 3202 المؤرخ في 8 مارس 3202 “الى غاية انتخاب مجالس بلدية جديدة”. لكن التوجه بعد تنصيب المجالس المحلية سيكون إما إحداث بعض التنقيحات على مجلة الجماعات المحلية بما يتناسب مع تمركز هذ الصنف الجديد من الجماعات المحلية في انتظار تحديد النصوص القانونية التي ستنظم صلاحياته وتحدد علاقته بالمجالس البلدية الى جانب علاقتها بالأصناف العليا من الجماعات المحلية وهي الجهات والأقاليم، أو تفريد المجالس المحلية بنظام قانوني خاص قد يرى النور قريبا، مع مراعاة مكانة المجالس البلدية الى جانب المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم التي تبقى محصنة دستوريا وهو ما يجعلنا نتسائل عن دورها كسلطة محلية غير محصنة في وسط بيئة تمت دسترتها.

وتأكيدا على هذا, نكتشف أن المجالس المحلية أحدثت في سياق سياسي كجزء من فكرة البناء القاعدي التي أتى بها رئيس الجمهورية في حملته الانتخابية بمناسبة الإنتخابات الرئاسية 9102 قبل أن يتحول المشروع الى مرحلة التخطيط والتنفيذ إثر ما أفرزته ظروف الأمر عـ711ـدد لسنة 1202 الذي مهّد فيما بعد الى وضع نظام سياسي–مبدئيا-رئاسي الأمر الذي يمكننا من تحديد المجالس المحلية على أنها تنفيذ لتصور سياسي بحت لا يحتاج الى منحها القيمة الدستورية التي تحظى بها بقية الجماعات المحلية.

بهذه الظروف، ستكون المجالس المحلية أمام “مواجهة حتمية” للمجالس البلدية أو بالأحرى للنيابات الخصوصية”، ولكن لاعتبار قانوني مستمد من مجلة الجماعات المحلية، لن تخرج النيابات الخصوصية عن دورها كقائمة بمهام المجالس البلدية ويسعنا هنا في هذا المقترح أن نضع هذه المواجهة في خانة علائقية بين هيكلين مختلفين من حيث الصلاحيات والتركيبة ومقتضيات العمل مع أن كليهما جماعتان محليتان ستتقاسمان في نفس الوقت مدينة أو مجموعة من المدن حسب التقسيم الترابي للمناطق البلدية والتقسيم الترابي للمعتمديات، والذي يطرح إشكالا بخصوص مدى تحقيق التوازن الترابي بين المدن بعد أن تمتعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بصلاحية تحديد الحدود الترابية للمعتمديات والعمادات وهو ما أفضى الى تحديد بعض المناطق دون مراعاة لخصوصيتها ومدى اعتبارها عمادات تستحق التمثيل في المجالس المحلية. والدافع الأكبر في اختيار هذا الموضوع يتمثل في أهميته الواقعية، فالمجالس المحلية حملت مع غموضها إشكاليات لا يطرحها القانون فحسب, بل يطرحها المجتمع أيضا. فمنذ انطلاق تكريس المجالس المحلية، لايزال المواطنون والمواطنات يعتقدون أن الفترة الانتخابية التي شارفت انطلاقة الدور الثاني منها على بدايتها هي انتخابات بلدية، واستمرت هذه الضبابية في الدور الأول من خلال تجربتنا الشخصية في تنظيم الانتخابات المحلية في دورتها الأولى مع مواطنين لازال يجول في اعتقادهم أنهم بصدد “اختيار من يمثلهم في المجلس البلدي”.

كل هذه العوامل تدفعنا الى طرح أسئلة عديدة، فماهي الوضعية التي ستكون عليها السلطة المحلية في ظل ثنائية المجلس المحلي والمجلس البلدي؟ كيف ستتوزع الإختصاصات بينهما؟ وماهي الحلول الممكنة التي يمكن للقانون تقديمها في حال نشوب تنازع حول الإختصاص بين المجلسين؟ وأي دور ستلعبه السلط اللامحورية وعلى رأسها المعتمدون في ظل احتضانهم لأعمال المجالس المحلية؟

سنحاول الإجابة عن جميع هذه الأسئلة في حدود موضوعنا في إطار الإشكالية التالية: إلى أي مدى يمكن أن تتكامل المجالس المحلية والمجالس البلدية في ظل المسيرة نحو تحقيق همزة الوصل ؟

إن قراءتنا لكل من مجلة الجماعات المحلية وللقانون عـ78ـدد لسنة 4991 المؤرخ في 62 جويلية 4991 تمكننا من معرفة اختصاصات كل من المجالس المحلية والمجالس البلدية والتمييز بينها، لكن يظهر لنا من البداية حتى مع تغير طبيعة المجالس المحلية في ظل “البناء القاعدي” أن هناك رهانات مطلوبة لتحقيق همزة الوصل بين المؤسستين(عنصر أول)، وأن تحقيقها لا يكون بمعزل عن استدراك مخاطر عدم التوازن بينهما والذي قد يكون مجازفة هيكلية وعملية(عنصر ثان).