الهيئات الدستورية المستقلة من إرادة التأسيس إلى ضبابية التجسيم
Article By : حنان ابن الحاج سليمان
الهيئات الدستوريّة المستقلة هي صنف قانوني مستحدث جاء به دستور 72 جانفي وقد عدّد الباب السادس منه هذه الهيئات وخص كلّ منها بقسم يتضمن جملة من الأحكام الخاصّة، وهي على التوالي، حسب الترتيب الدستوري، هيئة الإنتخابات وهيئة الإتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الإنسان وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. حيث تندرج هذه الهيئات ضمن التصور الدستوري وأسلوبه في توزيع الإختصاصات والسلطات والعلقات التي تحكمها وفق مقاربة تأسيسية تفرض وتفترض قواعد جديدة للحوكمة كموجه للعمل التأسيسي. إذ تعتبر دسترتها مرحلة متقدمة من المراحل التي شهدها تطور الفكر السياسي عامة والفكر الدستوري خاصة، وتتضح الغاية الأساسية منها فيمنع الاستبداد عبر الحدّ من سطوة السلطة على المجتمع التي حدت من حرّيته، كما أنها تستمد مهمتها التمثيلية من دورها في دعم الديمقراطية التي تتعارض مع النزعة الفردانية ولا يمكن أن تتحقق في إطارها. إن خلفية إنشاء الهيئات الدستوريّة المستقلة تدخل في سياق عام يتميّز بأزمة المشروعيّة التي تعاني منها هيئات الدولة التقليديّة وخاصة منها تلك التي لها صبغة تمثيلية في بعد يتجاوز السياق الوطني لما قبل الثورة. وما بروز وتطّور وانتشار الهيئات العموميّة المستقلة واكتساحه النّص الدستوري إلا تعبير عن الرغبة في تجديد الطرق المعتمدة في تسيير بعض القطاعات خاصّة المتصلة بالمجالات الحيوية للدولة. وهنا نذكّر بما ورد على لسان المؤسس “نحن في لجنة الهيئات الدستورية وفي فلسفتها كنا نرى أنها ستكمل السلط وستؤدي إلى التوازن بين السلط وهذه هي المقاربة الجديدة للديمقراطية من خلال باب الهيئات الدستورية”.