حقوق الإنسان وإعادة هيكلة الأنظمة القانونية
Article By : عبير المكي, نضال المكي
تحتلّ حقوق الإنسان مكانة متميزة في المجتمعات الوطنية والمجتمع الدولي اليوم إذ أن الخطاب السياسي وإنتاج القواعد القانونية وكذلك ممارسة الفاعلين سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي مطبوع جميعها بالإحالة إلى حقوق الإنسان و ضرورة مراعاتها.
غير أن الأمر لم يكن كذلك دائما. ففي الواقع رغم أن عددا مهما من النصوص الكبرى الشهيرة يرجع تاريخها إلى نهاية القرن 71 (لائحة الحقوق لسنة 9861 في بريطانيا العظمى) أو إلى القرن 81 (إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 9871 في فرنسا) إلا أن هذه النصوص لن تؤثر بشكل دائم وعميق في الأنظمة القانونية الوطنية ولن تجد لها صدى في النصوص الدولية إلا بعد قرنين من تاريخ تشريعها.
إلى حدود منتصف القرن العشرين عرفت حقوق الإنسان بالتأكيد تطورا مهما في الديمقراطيات الغربية، لكن بالإضافة إلى النقائص و الفجوات التي كانت بدورها مهمة ظلت هذه الحقوق تعتبر شأنا داخليا صرفا للدول ممّا سمح لهذه الأخيرة بالحدّ منها بل وارتكاب خروقات جسيمة وممنهجة لحقوق الإنسان على مدى عقود.
من جهة أخرى، حتى على الصعيد الداخلي بقيت حقوق الإنسان التي وقع إدماجها في النصوص الدستورية بمثابة أمنيات جوفاء أو تكاد في غياب قضاء دستوري ناجع قادر على تكريسها في الحياة اليومية للمواطنين (خصوصا في المنوال الفرنسي للقضاء الدستوري إلى غاية سنة 4791).
أما القانون الدولي الذي استلهم كثيرا في مرحلة أولى من الأنظمة القانونية الوطنية (المبادئ التي تضمنتها أهم إعلانات الحقوق) ليطور منظومة أو مجموعة من القواعد القانونية الهادفة إلى حماية حقوق الإنسان فإنه سيؤثر بدوره على الأنظمة القانونية الوطنية. و يمكن القول أن التفاعلات بين المنظومتين القانونيتين الوطنية والدولية لم تنقطع خاصّة منذ النصف الثاني للقرن العشرين وساهمت في جعل حقوق الإنسان العمود الفقري لكل منظومة قانونية.
أما في القانون الوطني فقد روّى القانون الدستوري للحريات كل فروع القانون وسقاها إلى درجة صرنا نتحدث معها عن دسترة القانون. وشهد القانون الدولي أيضا تحولا مماثلا إذ انتقلنا من قانون دولي للدول إلى قانون دولي للأفراد إلى درجة أصبح ممكنا التأكيد معها بأن الإنسانية هي مبتدأ السيادة ومنتهاها . وهذا يعني أن سيادة الدولة (المبدأ الأساسي للقانون الدولي) لا تكتسب معنى إلا بقدر اعترافها وحمايتها لحقوق الإنسان.