مبدأ الرضائيّة الجنسيّة بين مقاربة الحقوق الإنسانية والتصور الأبوي لمؤسسة الزواج
Article By : هناء عبّاس
يتّصل مبدأ حماية حرمة الجسد بحماية كرامة الذات البشريّة باعتبارها قيمة إنسانيّة تحرّر الجسد البشريّ من كافّة أشكال الإكراه والضغط والتقييد الممارس عليه. ويعتبر العنف الجنسيّ في هذا السّياق من أكثر الاعتداءات التّي تجرّد الجسد من قيم الكرامة. ويجعله موضوع صراع وتسلّط. فما يصيّر الفعل الجنسيّ اعتداء وعنفا مسلّطا على الذّات البشريّة في حرمتها، وحريّتها وكرامتها هو وقوعه دون الحصول على موافقة الضحيّة وبتجاوز كلّي لإرادتها. وتكريسا لحقّ الفرد في حرية التصرّف في جسده واحترام حياته الخاصّة تكون العلاقة الجنسيّة مباحة قانونا إذا كانت رضائيّة. وعلى هذا الأساس يؤطّر عنصر الرّضا مجال تدخّل القانون في العلاقات الجنسيّة. وتكون الموافقة الجنسيّة الخطّ الفاصل بين الاعتداءات الجنسيّة والفعل الجنسيّ الرضائيّ. وبناء على هذا تعدّ الموافقة الجنسيّة من المفاهيم المركزيّة في إتيقا الفعل الجنسيّ. ورغم مركزيّة هذا المفهوم في هذا السّياق، لم يعرّف المشرّع التونسيّ كأغلب التشاريع المقارنة مصطلح الرّضا سواء في المجلّة الجزائيّة أو في المجلّة المدنيّة التّي اكتفى صلبها بتحديد الظروف المعدمة والمعيبة للرّضا فقط. ولم تحظ دراسة يتّصل مبدأ حماية حرمة الجسد بحماية كرامة الذات البشريّة باعتبارها قيمة إنسانيّة تحرّر الجسد البشريّ من كافّة أشكال الإكراه والضغط والتقييد الممارس عليه. ويعتبر العنف الجنسيّ في هذا السّياق من أكثر الاعتداءات التّي تجرّد الجسد من قيم الكرامة. ويجعله موضوع صراع وتسلّط. فما يصيّر الفعل الجنسيّ اعتداء وعنفا مسلّطا على الذّات البشريّة في حرمتها، وحريّتها وكرامتها هو وقوعه دون الحصول على موافقة الضحيّة وبتجاوز كلّي لإرادتها. وتكريسا لحقّ الفرد في حرية التصرّف في جسده واحترام حياته الخاصّة تكون العلاقة الجنسيّة مباحة قانونا إذا كانت رضائيّة. وعلى هذا الأساس يؤطّر عنصر الرّضا مجال تدخّل القانون في العلاقات الجنسيّة. وتكون الموافقة الجنسيّة الخطّ الفاصل بين الاعتداءات الجنسيّة والفعل الجنسيّ الرضائيّ. وبناء على هذا تعدّ الموافقة الجنسيّة من المفاهيم المركزيّة في إتيقا الفعل الجنسيّ. ورغم مركزيّة هذا المفهوم في هذا السّياق، لم يعرّف المشرّع التونسيّ كأغلب التشاريع المقارنة مصطلح الرّضا سواء في المجلّة الجزائيّة أو في المجلّة المدنيّة التّي اكتفى صلبها بتحديد الظروف المعدمة والمعيبة للرّضا فقط. ولم تحظ دراسة الرّضائيّة الجنسيّة بالاهتمام الكافي من القانون والفقه وكنتيجة لهذا جرّمت أغلب التشاريع العنف الجنسيّ استنادا إلى تصوّرات نمطيّة ومحدودة للجنسانيّة وتحديدا لجنسانية النّساء. لهذا كانت الموافقة الجنسيّة مسألة محورية في الموجة الثانية من الحركة النسويّة التّي انطلقت في أوّل الستّينات من القرن العشرين وما جاء بعدها من مختلف الحركات النسويّة الحديثة. وقد ساهمت كلّها في تغيير المقاربة الجزائيّة في تجريم العنف الجنسيّ المسلّط على النّساء في عدد من التشريعات المقارنة من خلال اعتماد مبدأ الرّضائيّة كحدّ فاصل بين الفعل الجنسيّ الرضائيّ وبين العنف الجنسيّ. إلاّ أنّ المشرّع التونسيّ ظلّ إلى حدود صدور القانون الأساسي عدد 58 والمتعلّق بمناهضة العنف ضدّ المرأة متجاهلا لمبادئ الرّضائيّة الجنسيّة. إذ أنّ تجريم المجلّة الجزائيّة للعدد من صور العنف الجنسيّ لم يكن مؤسّسا على اعتبار الفعل الجنسيّ غير الرضائيّ اعتداء على الحريّة الجنسيّة للضحيّة وعلى كرامتها وحرمتها وإنّما على أساس نظرة أخلاقيّة للجنس. ممّا أدّى إلى اقصاءإقصاء مبادئ الرّضائية الجنسيّة من دائرة التجريم حيث لم تتضمّن النصوص الجزائيّة المجرّمة للعنف الجنسيّ أيّ تعريف لهذا النوع من العنف أو لعنصر الرّضا أو إشارة إلى شروط صحتّه أو الظروف المعيبة له. واقتصرت على اعتماد مقاربة موضوعيّة تقوم على الخلط وعدم التمييز بين رضا الضحيّة كعنصر مستقلّ وبين اللّجوء إلى وسائل سلب الإرادة. ورغم مصادقة الدولة التونسيّة على أغلب الاتفاقيات الدوليّة المتعلّقة بتجريم العنف الجنسي فإنّ ذلك لم يكن سدّا منيعا أمام تبنّي المشرّع صلب المجلّة الجزائيّة لأحكام تمييزية تفتقر لمقاربة حقوقيّة في تجريمها للعنف الجنسيّ وخاصة منه المسلّط على النساء والفتيات. ممّا جعلها محلّ انتقادات فقهيّة وحقوقيّة تنادي بضرورة إعادة النظر في السياسة الجزائيّة المعتمدة في تجريم العنف الجنسيّ. وبفضل التحرّكات النسويّة والحقوقيّة المنادية بضرورة تبنّي الدولة توجّها تشريعيّا يناهض كلّ أشكال العنف ضدّ النساء، اعتمد المشرّع لأوّل مرّة عبارة العنف الجنسيّ صلب القانون الأساسيّ عدد 85 المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة والمؤرّخ في 11 أوت 7102. وعرّف الفصل الثالث من هذا القانون العنف الجنسيّ بأنّه «كلّ فعل أو قول يهدف مرتكبه إلى إخضاع المرأة لرغباته أو رغبات غيره الجنسيّة باستخدام الإكراه أو التغرير أو الضغط وغيرها من وسائل إضعاف وسلب الإرادة وذلك بغض النظر عن علاقة الفاعل بالضحيّة.». وتبرز أهميّة هذا التعريف في رسمه لحدود بين العنف الجنسيّ ومختلف الممارسات الجنسيّة الرّضائية التّي تجرّمها المجلّة الجزائيّة مثال ذلك الفصل 032 م.ج المتعلّق بتجريم المثليّة الجنسيّة والفصل 236 م.ج المجرّم للزّنا. ممّا قد يساهم يمكّن هذا التجديد التشريعي من المساهمة في الدفع نحو إلغاء مثل هذه القوانين. إلى جانب هذا التعريف، حاول المشرّع تغيير المقاربة الجزائيّة للفعل الجنسيّ المجرّم وذلك من خلال تنقيح معظم الأحكام الجزائيّة المجرّمة للعنف الجنسيّ، فتمّ تعريف جريمة الاغتصاب لأوّل مرّة في التشريع التونسي بأنّها كلّ إيلاج ذو طبيعة جنسيّة مهما كانت الوسيلة المعتمدة في ذلك، وكنتيجة لتأسيس تعريف الاغتصاب على عنصر الإيلاج تمّ التضييق من مجال تطبيق الفصل 822 م.ج لتكون بقيّة الاعتداءات الجنسيّة التّي تمسّ من حرمة الجسد وحميميّته اعتداءً بالفاحشة. كما تمّ الترفيع في سنّ الرشد الجنسيّ وتوحيده بين الأطفال والطفلات والتنصيص صراحة على غياب الرضا كقرينة قانونية قاطعة في صورة عدم بلوغ الضحيّة لسنّ السادسة عشرة. ورغم عدم إلغاء أحكام الفصل 722 مكرّر فإنّه لا يمكن إنكار أهميّة التنقيح الذي طرأ عليه من خلال إلغاء مسألة زواج المغتصب من الضحيّة كآلية تشرّع للإفلات من العقاب.